▰ «قَدْ» الحرفيَّةُ:
هي حرفُ إخبارٍ مبنيٌّ على السكونِ، لا محلَّ له من الإعراب، يختصُّ بالدخولِ على الفعلِ الماضي والمضارعِ المتصرِّفِ الخبريِّ المُثبَتِ أو المنفيِّ المجرَّد من النَّواصبِ والجوازمِ والسِّين وسوف. ولا يُفصَلُ بينها وبين الفعلِ إلَّا بالقَسَم، نحوُ قولِ الشاعرِ: {أَخالِدُ، قَدْ، واللَّهِ، أَوْطَأْتَ عَشْوَةً ** وما العاشِقُ المَظْلومُ فينا بسارِقِ}.
ولا تدخلُ على الأسماءِ، ولا على فعلِ الأمر، ولا تؤثِّرُ إعراباً في الفعلِ الذي يليها، فلا تنصبُه ولا تجزِمُه.
وقد يُحذَفُ الفعلُ بعدها إذا دلَّ عليه دليلٌ، كقولِ النابغة الذُّبيانيِّ: {أَزِفَ التَّرَحُّلُ، غيرَ أنَّ رِكابَنا ** لَمَّا تَزُلْ بِرِحالِنا، وكَأَنْ قَدِ}، أي: وكأنْ قدْ زالَتْ.
وإذا دخلتْ «قَدْ» على الفعلِ الماضي أفادتْ:
– التحقيقُ، وهو الغالبُ، إذْ تدلُّ على توكيدِ وقوعِ الفعلِ وتثبيتِه بلا شَكّ، كقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، ففلاحُ المؤمنين أمرٌ مُحقَّقٌ ثابتٌ.
– التقريبُ، إذْ تُقرِّبُ زمنَ الفعلِ الماضي من الحال، فتدلُّ على أنَّ الحدثَ كان قريباً. فقولُك: «تزوّجَ أخي» يحتملُ القريبَ والبعيد، أمَّا قولُك: «قَدْ تزوّجَ أخي» فيدلُّ على قربِ وقوعِ الفعل.
وتلزمُ الفعلَ الماضي إذا وقعَ حالاً، كقوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ).
– التوقُّع، على ما قالَه الخليلُ، فإنّ قولَ القائلِ: «قَدْ فَعَلَ» كلامٌ يقالُ لقومٍ يترقَّبون الخبرَ. ومنه نداءُ المؤذِّن: «قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ»، لأنَّ الجماعةَ منتظِرون.
أمّا إذا دخلتْ «قَدْ» على الفعلِ المضارعِ، فتدلُّ دلالاتٍ مختلفةً بحسب السِّياقِ منها:
– التوقُّعُ (وهو الاحتمالُ أو الشكّ)، نحو: «قَدْ يَهْطِلُ المَطَرُ».
– التقليلُ، نحو: «قَدْ يصدُقُ الكَذُوبُ».
– التَّكثيرُ، نحو: «قَدْ يفعَلُ التّقِيُّ الخيرَ»ـ ومنه قولُ الشاعرِ: {قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أَنَامِلُهُ ** ….}.
– التحقيقُ، وهو معنى دقيقٌ، إذْ قدْ تأتي «قَدْ» مع المضارعِ للتوكيدِ إذا كان الفاعلُ هو اللهَ تعالى أو إذا وردتْ في موضعِ الحقائقِ الثابتة، كقوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)، وقوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ).
وقال قومٌ: إن دخلتْ على المضارعِ لفظاً ومعنى فهي للتوقُّع.
والخلاصةُ أنّ «قَدْ» تأتي مع الفعلِ الماضي لمعاني: التوقُّع، والتقريب، والتحقيق، وتأتي مع الفعلِ المضارع لمعاني: التوقُّع، والتقليل، والتحقيق، والتكثير.
وقال بعضُهم: إنَّ «قَدْ» تُفيدُ معانيَ أُخَرَ، منها معنى «رُبَّما»، نحو: «قَدْ يكونُ كذا وكذا»، أي: رُبَّما يكونُ كذا وكذا.
