### مفهوم العطاء وحقيقته
العطاء، في جوهره، يحمل في طياته نوايا متعددة تعكس أخلاقيات الأفراد وثقافاتهم. هناك نوعان من العطاء: الأول نابع من الحب والنية الطيبة، والثاني مرتبط بالاستغلال والمصلحة.
#### العطاء من قلب محب
الأشخاص الذين يعطون من دون انتظار مقابل إنما يقدمون عطاءً طاهرًا. يتجلى ذلك في رغبتهم الصادقة في إكرام الآخرين وإسعادهم. هكذا يتمثَّل الحب في أسمى صوره. عندما يقدم شخص ما هدية أو خدمة، وهو في قمة السعادة برؤية الفرحة على وجه الآخر، يكون قد أسس لعلاقة متينة ومتوائمة قائمة على الثقة والدعم المتبادل.
عطاء هؤلاء الأفراد لا يحمل أي ثقل من التحملات أو الالتزامات. إنهم يمنحون بسخاء، مدفوعين برغبتهم في نشر الإيجابية. هنا، يُعتبر العطاء تجسيدًا لمشاعر الألفة والود. تجعلهم قلوبهم الطيبة يتغذون على سعادة الآخرين، وينمو الحب بين الناس، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تلاحمًا وتماسكًا.
#### العطاء من أجل السيطرة
على الضفة الأخرى، نجد نوعًا آخر من العطاء: ذلك الذي يأتي مشروطًا ورغبة في الهيمنة. يسعى هؤلاء لتحقيق السيطرة على مشاعر الآخرين من خلال خلق شعور بالامتنان والإكراه. يقول الشخص في أعماقه: “لقد قدّم لك شيئًا، لذا يجب أن تكون مدينًا له”، مصطنعًا بذلك نظامًا من الأعباء النفسية.
هذا النوع من العطاء يزرع في قلب المُعطى شعورًا بالتحكم والقيد، كما لو كانت تلك العطايا مجرد سلاسل تربطه بشخص يمتلكه. وإذا ما حدث ورفض المُعطى أمراً ما أو تخاذل في تحقيق رغبات الشخص المعطي، يتحول الأخير فجأة إلى عدو، معززًا بذلك استبداده. يُحفز شعور الذنب ويُركز الضوء على ما قدّمه، محاولًا أن يُشعر المُعطى بأنه مُدين له، الفكرة ليست مجرد تعزيز العلاقات، بل هدفها الهيمنة والتحكم.
#### الفرق بين النوايا
تتجلى الفروق الجوهرية بين نوعي العطاء في النوايا والتأثيرات. العطاء الذي يحرر الإنسان يدفعه لتقوية نفسه وتعزيز استقلاليته، بينما العطاء الذي يُقيد يكبله بأحمال نفسية تضع فواصل بينه وبين حريته.
ويظهر النمط الأول من العطاء الحب الخالص، حيث يعزز علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والصدق. بينما يعكس النمط الثاني من العطاء حيل النفس البشرية، التي تحاول استخدام المشاعر للسيطرة على الآخرين.
#### كيف تميز بينهما؟
تسهل القدرة على التمييز بين نوعي العطاء مسار حياتك العاطفية والاجتماعية. إذا كنت واعيًا لنوايا الآخرين، يمكنك أن تحمي قلبك من استغلالهم. اختر البقاء بالقرب من أولئك الذين يعطونك بصدق؛ الذين يحترمون حريتك ويرغبون في دعمك من دون شروط.
### خلاصة
في نهاية المطاف، العطاء هو أكثر من مجرد فعل؛ إنه شعور متبادل. علينا أن نكون واعين للمصادر التي نختار التعامل معها، وأن نحيط أنفسنا بأشخاص يمنحوننا من محبتهم، دون أن يتحكموا بمصائرنا. فالحياة قصيرة، ونستحق أن نتلقى الحب النقي والعطاء الخالص الذي يدفعنا إلى الأمام، لا أن يجعلنا نعيش في قيود.
