الدعم النفسي

يعتبر الدعم النفسي أحد العناصر الأساسية في حياة الإنسان، سواء في الأوقات الحرجة أو في لحظات الانتصار. فحينما نتحدث عن فترات الشدّة، نجد أن الكثيرين يتمتعون بحضور الأصدقاء والعائلة، الذين يسعون لتقديم الدعم والعناية بمن يعاني. هذا النوع من الدعم يُعتبر ضرورة حيوية، وليس بالأمر الغريب أن نجد من حولنا في أوقات الألم، حيث يشعر الكثيرون بأن الوقوف مع الحزين هو عمل يستحق الجهد.

لكن حينما ننتقل إلى لحظات النجاح، نجد أن الأمور تختلف تمامًا. ففي تلك اللحظات التي نحقق فيها إنجازاتنا، حيث تعود لنا ثمرة الجهد والتعب، قد نجد أنفسنا محاطين بالصمت. الدعم في هذه الأوقات ليس بالأمر المتوقَّع أو المطلوب، بل يأتي بشكل تلقائي ومفاجئ – أو قد لا يأتي على الإطلاق. نتذكر الأشخاص الذين كانوا بجانبنا في مسيرتنا، ولكن في تلك اللحظة اللامعة لنجاحنا، قد نشعر بالوحدة.

تخيّل شخصًا قد أرهق نفسه في السهر والتعب، وجرّ خلفه أحلامًا كانت تلوح في الأفق كأشباح بعيدة، ثم تتجلى له أهدافه وتنفتح له أبواب النجاح. وعندما يلتفت حوله ليشارك فرحته مع من يحب، لا يجد أحدًا تم الرد على دعوته. هنا تكون القسوة حادة، فرغم أن الألم يمكن أن يصبح رفيقًا مألوفًا، إلا أن السعادة حين تُعاش وحدها تُشعرنا بأقصى درجات الفقد.

في هذه الأوقات، يصبح النجاح أكثر ثقلًا وعبئًا، لأننا نفتقد تلك الأيدِي الدافئة التي كانت ستحتفل معنا، والغريب أنه في هذه اللحظات، يمكن أن نشعر بأقصى درجات القسوة، حتى من النجاح ذاته. إن لم يكن لدينا من يشاركنا لحظات الفرح، فهذا يجعل الإنجاز الذي توصلنا إليه يبدو أقل قيمة. فتتساءل النفس: أليست الحياة تجربة تتطلب المشاركة والتفاعل؟

لذلك، نحتاج إلى إعادة تقييم مفهوم القرب والنجاح. ليس من المعقول أن نقيس الصداقات والمقربين بناءً على عدد من يقفون معنا في لحظات ضعفنا، بل يجب أن نبحث عن القلوب التي تُفضِّل أن تكون بجانبنا عندما نرتفع، ونسجل إنجازاتنا. نحن لا نطلب هذا الدعم، لا في محنتنا ولا في نجاحنا، لكننا لا نستطيع نسيان الأيادي التي قامت بمساندتنا أو القلوب التي اختارت أن تشاركنا رحلتنا.

وهذا هو السبب الذي يجعل أوقات الإنجاز محملة بمعانٍ مختلفة. حين نحقق أهدافنا، قد نشعر بالهدوء الداخلي، ولكن أيضًا بالخواء. فهذا الهدوء لم يزدنا إلا تصديقًا بأن العالم من حولنا قد لا يهتم بمشاعرنا كما فعل في الماضي. فنعود لنرى أن الوحدة في فرحتنا قد تكون تجربة قاسية، ولكنها أيضًا لحظة تأمل نحاول فيها إعادة اكتشاف أنفسنا.

في النهاية، يمكن القول إن الدعم النفسي لا يقتصر فقط على المحن، بل يجب أن يمتد ليشمل لحظات النجاح. فالمشاركة في الأوقات الجميلة تترك أثرًا أعمق من مجرد الوجود في الأوقات الصعبة. لذا، لنجعل من دعمنا للآخرين خلال لحظاتهم السعيدة نهجًا مستمرًا، ولنحافظ على العلاقات التي تُثري حياتنا وتجمّل نجاحاتنا.

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ